عقد على الانتفاضة الكردية:

كردستان وحلم المجتمع المدني

نورالدين سعيد ويسي

 

الشرق الاوسط 17/3/2001

لشهر مارس (آذار) مكانة خاصة لدى الكرد، لانه زاخر بالافراح والاتراح الكردية، تنطوي على ذكريات تدمع القلب واحداث تملأ الثغور بالبسمات.

ففي الاول من مارس 1979 توفي الزعيم الكردي الكبير ملا مصطفى البارزاني بمستشفى جورج تاون بالعاصمة الاميركية واشنطن، بعد كفاح طويل ومرير دام اكثر من نصف قرن.

6 مارس 1975 تم توقيع اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه ايران، حيث تنازل العراق عن نصف شط العرب لايران مقابل تخلي ايران والولايات المتحدة عن دعم الثورة الكردية، وكانت هذه الاتفاقية ضربة موجعة للثورة الكردية.

11 مارس 1970 توقيع بيان الحادي عشر من آذار بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة العراقية، لكنه اصبح حبرا على ورق.

16 مارس 1988 قامت الطائرات العراقية بقصف مدينة «حلبجة» الكردية بالغازات السامة والتي راح ضحيتها اكثر من عشرة آلاف بين قتيل وجريح.

21 مارس عيد (نوروز) العيد القومي للكرد.

31 مارس 1991 بدء الهجرة المليونية الكردية نحو الحدود الايرانية والتركية، بعدما سمحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حرب الخليج لصدام باستخدام المروحيات العسكرية لقمع الانتفاضة الكردية.

لكن 5 مارس 1991 لم يكن يوما اعتياديا لدى الكرد، اذ بدأت الشرارة الاولى لانتفاضة كردستان العراق من مدينة رانيا ومنها انحدر ذلك السيل الجارف من غضب الاكراد على مؤسسات النظام العراقي القمعية ليشمل كافة مدن وقصبات كردستان العراق بما فيها مدينة كركوك الاستراتيجية والغنية بالنفط وكان تحريرها صفعة للسياسات التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة من اجل تغيير السمات الكردية لتلك المدينة واثبتت ان هذه السياسات لم ولن تجدي نفعا.

لا شك ان اندحار الجيش العراقي امام قوات التحالف في حرب تحرير الكويت كان عاملا مساعدا في انتصار الانتفاضة الكردية، الا ان كردستان العراق شهدت انتفاضات اخرى لا سيما في الثمانينات، لكن الاسباب الرئيسية لنجاح انتفاضة الكرد تكمن في:

اولا: الاستعداد الشعبي والجماهيري العام لدى الكرد لا سيما بعد كل ما عاناه الشعب الكردستاني طوال اكثر من ثلاثة عقود من مآس وويلات الابادة والقمع وسياسة التهجير والترحيل القسري والارض المحروقة واستخدام الاسلحة الكيماوية وعمليات الانفال المشؤومة السيئة الصيت.

ثانيا: افرازات ونتائج حرب الخليج وانهيار الجيش العراقي امام ضربات قوات الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها.

ثالثا: تنسيق الاحزاب الكردستانية المنضوية تحت لواء (الجبهة الكردستانية).

لذا فإن الانتفاضة كانت من نتاج الجماهير الكردية، حيث شاركت فيها جميع القوى والفئات والشرائح. ورغم ما تحقق من الانتخابات البرلمانية الكردية في 19 مايو (ايار) 1992 وتشكيل حكومة كردستان العراق في 5 يوليو (تموز) 1992 واعلان الفيدرالية كصيغة للعلاقة الكردية مع العراق من جانب واحد في4 أكتوبر (تشرين الأول) 1992، وتطوير اوضاع كردستان العراق المعاشية والحضرية وانجاز عدد من المشاريع والفعاليات الخدمية في مجالات التربية والتعليم والثقافة والطرق والمياه والمجاري والمواصلات واعادة اعمار القرى المهدمة والاستفادة من حصة كردستان العراق من القرار 986 ـ النفط مقابل الغذاء ـ الا ان ظروف الحصار الاقتصادي وتدخلات الدول الاقليمية والاقتتال الداخلي، وافرازاتها السلبية على المجتمع الكردستاني ادى الى ان تفقد الانتفاضة ديناميكيتها وحسها في التطوير ودفع مسيرة التنمية.

بعد مضي عشرة اعوام على الانتفاضة الكردية، بدأت الفئات والشرائح المثقفة في كردستان العراق تطالب باقامة المجتمع المدني وبناء دولة المؤسسات على الاسس الديمقراطية واتاحة الحريات العامة واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون والمساواة في الحقوق والواجبات، واسقاط المحسوبية والمنسوبية من حسابات التعامل، وحل المشاكل عن طريق الحوار، خاصة ان الجيل الجديد لن يقبل بالممارسات اللاديمقراطية والحد من الحريات، رغم انهم يدركون جيدا ان اقامة سلام شامل ودائم في كردستان العراق وترسيخ العملية السلمية والمصالحة بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وتوحيد الادارتين شرط ضروري من اجل تعزيز المؤسسات المدنية في كردستان العراق.

ولا شك ان اقامة مؤسسات المجتمع المدني في كردستان العراق الذي لم يمر بظروف سلمية وطبيعية منذ عقود كثيرة ليس بالامر الهين، إلا ان ذلك لا يعني ان هذه المطالب مستحيلة وصعبة المنال.

ان القوى والاحزاب الكردستانية مطالبة اليوم بتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحقوق نقد المؤسسات السياسية واجتثاث مظاهر الفساد الاداري وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس الاموال من اجل اعادة اعمار كردستان وتنظيفها من انقاض الحروب والنزاعات.

صحيح ان اقامة المجتمع المدني مرهونة بوجود الدولة والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، رغم انه شيء آخر غير الدولة، لكن عدم وجود كيان كردي مستقل لا يعني ان يحلم الكرد فقط بالمؤسسات المدنية ولا يخطون نحو اقامتها، لذا فمن اجل ان يلحق الكرد بمسيرة التقدم والتطور عليهم نشر الثقافة الديمقراطية وترسيخ جذورها.